كتب جوزيف مسعد أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أعلن مطلع هذا الشهر عبر قناة i24 أنه يقود "مهمة تاريخية وروحية" هدفها التوسع الإقليمي. هذا التصريح أعاد تسليط الضوء على مشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي يقوم على السيطرة الاستيطانية الاستعمارية القائمة بالفعل على القدس الشرقية والجولان والضفة الغربية، ومعاودة فرضها على غزة.
وأوضحت ميدل إيست آي أن الحكومة الإسرائيلية تواصل خطواتها لترسيخ سيادتها بالقوة، إذ صدّقت مؤخرًا على خطط تشمل الاستيلاء على غزة، إلى جانب مشروع "E1" الاستيطاني في الضفة الغربية الذي يهدف إلى قطع التواصل الجغرافي للفلسطينيين مع القدس الشرقية ودفن فكرة الدولة الفلسطينية نهائيًا.
تصاعد الدعم لهذا التوجه الاستعماري وسط الحرب الجارية في غزة، حيث تداولت صور لجنود إسرائيليين يرتدون زيًا عسكريًا تظهر عليه خريطة "إسرائيل الكبرى". في المقابل، تشن الدعاية المؤيدة لإسرائيل حملة واسعة لعكس الحقائق، فتصوّر الفلسطينيين على أنهم "المستعمرون" بينما تدّعي أن اليهود "السكان الأصليون" العائدون إلى "أرضهم التاريخية".
يشير مسعد إلى أن الحركة الصهيونية في بداياتها لم تُخفِ طبيعتها الاستعمارية، إذ أطلقت مؤسساتها أسماء مثل "صندوق الاستعمار اليهودي" و"جمعية استعمار اليهود في فلسطين"، لكنها لاحقًا غيّرت خطابها مع تراجع صورة الاستعمار عالميًا، واستبدلت المفردات دون أن تغيّر الممارسة.
منذ ثلاثينيات القرن الماضي روّج الصهاينة لأسطورة "العودة" لتبرير مشروعهم. لكن مسعد يذكّر بأن القوى الأوروبية الاستعمارية سبقتهم إلى مثل هذه الحجج؛ فالفرنسيون برروا غزو الجزائر بأنه "عودة" إلى إرث روما القديمة، والإيطاليون قالوا إن غزو ليبيا استعادة لأراضي الأجداد، وحتى النازيون اعتبروا توسعهم في شرق أوروبا "عودة" إلى أراضٍ ألمانية سابقة. ضمن هذا السياق، يصبح ادعاء الصهاينة أن يهود أوروبا "عادوا" إلى وطن قديم مجرد نسخة منطقية من تراث استعماري أوروبي متكرر.
كما روّجت إسرائيل لرواية أنها تتيح للفلسطينيين إقامة كيان موازٍ إلى جانب "دولتها"، لكن مسعد يوضح أن أنظمة استعمارية أخرى فعلت الشيء نفسه. نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أنشأ "بنتوستانات" للسكان الأصليين لتكريس سيادة البيض، وكذلك الحال في ناميبيا تحت الاحتلال الجنوب أفريقي. الهدف في كل الأحوال واحد: نزع الصفة الوطنية عن السكان الأصليين وضمان سيطرة المستعمر.
يعود الكاتب ليكشف تناقضات أخرى في الخطاب الصهيوني. فحتى قادة بارزين مثل ديفيد بن غوريون وييتسحاق بن زفي اعترفوا عام 1919 بأن غالبية الفلسطينيين هم أحفاد العبرانيين القدماء الذين اعتنقوا المسيحية ثم الإسلام. لكن لاحقًا، صاغت الصهيونية رواية بديلة تنفي عن الفلسطينيين جذورهم، كي تحتكر الانتماء إلى تاريخ المنطقة.
الحجة القائلة إن بريطانيا لم تكن "المركز الأم" للاستيطان الصهيوني لأن معظم المهاجرين اليهود لم يكونوا بريطانيين، يصفها مسعد بالواهية. فالرعاية البريطانية للمشروع لا تختلف عن نماذج استعمارية أخرى حيث دعمت القوى الاستعمارية توطين شعوب متعددة في مستعمرات جديدة.
ويفكك مسعد أيضًا أسطورة "الأصالة" الدينية والعرقية. فالتوراة نفسها تذكر أن العبرانيين لم يكونوا سكانًا أصليين لفلسطين، بل غزوها بعد الكنعانيين. وحتى فكرة "الشعب اليهودي" بصيغتها القومية حديثة النشأة. أما الادعاءات الوراثية الحديثة التي تربط يهود أوروبا مباشرة بالعبرانيين فليست سوى نتاج لاهوت مسيحي أوروبي أعاد تشكيل الأساطير الدينية لتخدم أهدافًا سياسية.
يرى الكاتب أن جوهر المشروع الصهيوني لا يختلف عن أي استعمار أوروبي آخر: استيلاء بالقوة، تبرير ديني أو عرقي، ودعاية تروّج لأساطير "العودة" و"التحرير". لذلك، فإن تبني إسرائيل علنًا اليوم لفكرة "إسرائيل الكبرى" لا يمثل خروجًا عن تاريخها بل يمثل ذروته، حيث يصل الاستيطان إلى أشد أشكاله وضوحًا وجرأة.
بهذا، يخلص مسعد إلى أن كل مزاعم الاستثناء الصهيوني باطلة؛ فإسرائيل تسير على خطى فرنسا في الجزائر، وإيطاليا في ليبيا، وبريطانيا في إيرلندا، وألمانيا النازية في شرق أوروبا. وفي كل هذه الحالات، لبس الاستعمار أقنعة شتى لكنه بقي في جوهره مشروع اقتلاع شعب وإحلال آخر مكانه.
https://www.middleeasteye.net/opinion/how-prove-israel-isnt-settler-colony-even-it-pursues-greater-israel